كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قَالَ: هَذِهِ فِي السَّرَّاءِ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} قَالَ: وَهَذِهِ فِي الضَّرَّاءِ. وَقَالَ السدي: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} قَالُوا وَالْحَسَنَةُ الْخِصْبُ يُنْتِجُ خُيُولَهُمْ وَأَنْعَامَهُمْ وَمَوَاشِيَهُمْ وَيُحْسِنُ حَالَهُمْ وَتَلِدُ نِسَاؤُهُمْ الْغِلْمَانَ {يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} قَالُوا- وَالسَّيِّئَةُ: الضَّرَرُ فِي أَمْوَالِهِمْ تَشَاؤُمًا بِمُحَمَّدِ- قَالُوا: {هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} يَقُولُونَ: بِتَرْكِنَا دِينَنَا وَاتِّبَاعِنَا مُحَمَّدًا أَصَابَنَا هَذَا الْبَلَاءُ. فَأَنزل الله: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} قَالَ: الْقُرْآنُ. وَقَالَ الوالبي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} قَالَ: مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْك يَوْمَ بَدْرٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ الوالبي أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {مِنْ حَسَنَةٍ} قَالَ: مَا أَصَابَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالْفَتْحِ فَمِنْ اللَّهِ. قَالَ: وَالسَّيِّئَةُ مَا أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ. إذْ شُجَّ فِي وَجْهِهِ وَكُسِرَتْ رباعيته. وَقَالَ: أَمَّا الْحَسَنَةُ فَأَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْك وَأَمَّا السَّيِّئَةُ فَابْتَلَاك اللَّهُ بِهَا.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} قَالَ: هَذَا يَوْمُ بَدْرٍ {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} قَالَ: هَذَا يَوْمُ أُحُدٍ. يَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ نَكْبَةٍ: فَمِنْ ذَنْبِك وَأَنَا قَدَّرْت ذَلِكَ عَلَيْك. وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ عُيَيْنَة عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فَمِنْ {نَفْسِك} قَالَ: فَبِذَنْبِك وَأَنَا قَدَّرْتهَا عَلَيْك. رَوَى هَذِهِ الْآثَارُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشخير. قَالَ: مَا تُرِيدُونَ مِنْ الْقَدَرِ؟ أَمَا تَكْفِيكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}؟ أَيْ مِنْ نَفْسِك. وَاَللَّهِ مَا وَكَّلُوا إلَى الْقَدَرِ. وَقَدْ أُمِرُوا بِهِ. وَإِلَيْهِ يَصِيرُونَ. وَكَذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} الْخِصْبُ وَالْمَطَرُ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} الْجَدْبُ وَالْبَلَاءُ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} قَالَ: الْحَسَنَةُ النِّعْمَةُ. وَالسَّيِّئَةُ الْبَلِيَّةُ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ فِي قوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ}- و{مِنْ سَيِّئَةٍ} ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْحَسَنَةَ مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يَوْم بَدْرٍ. والسَّيِّئَةَ مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ- وَهُوَ الوالبي- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ.
وَالثَّانِي الْحَسَنَةُ الطَّاعَةُ. والسَّيِّئَةُ الْمَعْصِيَةُ. قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ.
وَالثَّالِثُ الْحَسَنَةُ النِّعْمَةُ. والسَّيِّئَةُ الْبَلِيَّةُ. قَالَهُ ابْنُ مُنَبِّهٍ. قَالَ: وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ نَحْوُهُ. وَهُوَ أَصَحُّ. قُلْت: هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ بِالْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِهِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيق أَبِي جَعْفَرٍ الداري عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْهُ وَأَمْثَالِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ إسْنَادَهُ. وَلَكِنْ يَنْقُلُ مِنْ كُتِبَ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ أَقْوَالَ السَّلَفِ بِلَا إسْنَادٍ. وَكَثِيرٌ مِنْهَا ضَعِيفٌ. بَلْ كَذِبٌ لَا يَثْبُتُ عَمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ. وَعَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا يُفَسِّرُونَهُ عَلَى مِثْلِ أَقْوَالِ السَّلَفِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَحْمِلُهَا عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ.
فَأَمَّا الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: فَهِيَ تَتَنَاوَلُهُ قَطْعًا. كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُهَا وَسِيَاقُهَا وَمَعْنَاهَا وَأَقْوَالُ السَّلَفِ. وَأَمَّا الْمَعْنَى الثَّانِي: فَلَيْسَ مُرَادًا دُونَ الْأَوَّلِ قَطْعًا. وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مُرَادٌ مَعَ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا يَهْدِيهِ اللَّهُ إلَيْهِ مِنْ الطَّاعَةِ: هُوَ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهِ مِنْ اللَّهِ أَصَابَتْهُ. وَمَا يَقَعُ مِنْهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ: هُوَ سَيِّئَةٌ أَصَابَتْهُ. وَنَفْسُهُ الَّتِي عَمِلَتْ السَّيِّئَةَ. وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مِنْ نَفْسِهِ فَالْعَمَلُ الَّذِي أَوْجَبَ الْجَزَاءَ: أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ نَفْسِهِ. فَلَا مُنَافَاةَ أَنْ تَكُونَ سَيِّئَةُ الْعَمَلِ وَسَيِّئَةُ الْجَزَاءِ مِنْ نَفْسِهِ. مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ مُقَدَّرٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ {فَمِنْ نَفْسِك وَأَنَا قَدَّرْتهَا عَلَيْك}.
فصل:
وَالْمَعْصِيَةُ الثَّانِيَةُ: قَدْ تَكُونُ عُقُوبَةَ الْأُولَى. فَتَكُونُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْجَزَاءِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ سَيِّئَاتِ الْعَمَلِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ. فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ. وَالْبِرُّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ. وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ. فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ وَالْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ. وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يَكْتُبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا». وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْحَسَنَةَ الثَّانِيَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ ثَوَابِ الْأُولَى. وَكَذَلِكَ السَّيِّئَةُ الثَّانِيَةُ: قَدْ تَكُونُ مِنْ عُقُوبَةِ الْأُولَى. قَالَ تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا} {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} وَقَالَ تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى} وَقَالَ تَعَالَى: {وَكِتَابٌ مُبِينٌ} {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} وَقَالَ تعالى: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} وَقَالَ تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} وَقَالَ تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} وَقَالَ تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} وَقَالَ تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} وَقَالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وَقَالَ تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}. قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ: مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ- قَوْلًا وَفِعْلًا- نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ. وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ- قَوْلًا وَفِعْلًا- نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يقول: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}.
قُلْت: وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وَقَالَ تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وَقَالَ تعالى: {إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} وَقَالَ تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}- إلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وَقَالَ تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إلَّا قَلِيلًا}. وقال تعالى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وَقَالَ تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَقَالَ تَعَالَى فِي النَّوْعَيْنِ: {إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وَقَالَ تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}. وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} {وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. وقال تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} وَقَالَ تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} وَقَالَ تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} وَقَالَ تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} {إنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إسْرَارَهُمْ}. وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} وَقَالَ تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} وَقَالَ تَعَالَى فِي ضِدِّ هَذَا: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} إلَى قَوْلِهِ: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}. وَتَوْلِيَتُهُمْ الْأَدْبَارَ: لَيْسَ مِمَّا نُهُوا عَنْهُ وَلَكِنْ هُوَ مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ.
فصل:
وَإِذَا كَانَتْ السَّيِّئَاتُ الَّتِي يَعْمَلُهَا الْإِنْسَانُ قَدْ تَكُونُ مِنْ جَزَاءِ سَيِّئَاتٍ تَقَدَّمَتْ- وَهِيَ مُضِرَّةٌ- جَازَ أَنْ يُقَالَ: هِيَ مِمَّا أَصَابَهُ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَهِيَ بِذُنُوبِ تَقَدَّمَتْ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ: فَالذُّنُوبُ الَّتِي يَعْمَلُهَا؛ هِيَ مِنْ نَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّرَةً عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْجَزَاءُ الَّذِي هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْهَا مِنْ نَفْسِهِ فَعَمَلُهُ الَّذِي هُوَ ذَلِكَ الْجَزَاءُ: مِنْ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ «نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا». «وَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلِّمْنِي دُعَاءً. فَقَالَ قُلْ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ. أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إلَى مُسْلِمٍ. قُلْهُ إذَا أَصْبَحْت وَإِذَا أَمْسَيْت وَإِذَا أَخَذْت مَضْجَعَك».
فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ قوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ} يَتَنَاوَلُ الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْأَعْمَالِ وَيَتَنَاوَلُ الْأَعْمَالَ. مَعَ أَنَّ الْكُلَّ بِقَدَرِ اللَّهِ.
فصل:
وَلَيْسَ لِلْقَدَرِيَّةِ أَنْ يَحْتَجُّوا بِالْآيَةِ لِوُجُوهِ: مِنْهَا: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: فِعْلُ الْعَبْدِ- حَسَنَةً كَانَ أَوْ سَيِّئَةً- هُوَ مِنْهُ لَا مِنْ اللَّهِ. بَلْ اللَّهُ قَدْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ مَا يَفْعَلُ بِهِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ. لَكِنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ: أَحْدَثَ إرَادَةً فَعَلَ بِهَا الْحَسَنَاتِ. وَهَذَا أَحْدَثَ إرَادَةً فَعَلَ بِهَا السَّيِّئَاتِ. وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ إحْدَاثِ الرَّبِّ عِنْدَهُمْ. وَالْقُرْآنُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ. وَهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ فِي الْأَعْمَالِ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ. لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِ اللَّهِ خَلَقَ فِيهِ الْحَسَنَاتِ دُونَ السَّيِّئَاتِ. بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ لَمْ يَخْلُقْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا. لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بِأَنَّهُ يُحْدِثُ مِنْ الْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ: مَا يَكُونُ جَزَاءً. كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ.
لَكِنْ عَلَى هَذَا: فَلَيْسَتْ عِنْدَهُمْ كُلُّ الْحَسَنَاتِ مِنْ اللَّهِ. وَلَا كُلُّ السَّيِّئَاتِ. بَلْ بَعْضُ هَذَا وَبَعْضُ هَذَا. الثَّانِي: أَنَّهُ قال: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} فَجَعَلَ الْحَسَنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا جَعَلَ السَّيِّئَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ فِي الْأَعْمَالِ. بَلْ فِي الْجَزَاءِ. وَقَوْلُهُ- بَعْدَ هَذَا- {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} و{مِنْ سَيِّئَةٍ} مِثْلُ قوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} وَقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}. الثَّالِثُ: أَنَّ الْآيَةَ أُرِيدَ بِهَا: النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَيْسَ لِلْقَدَرِيَّةِ الْمُجْبِرَةِ أَنْ تَحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى نَفْيِ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا الْعِقَابَ. فَإِنَّ قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} هُوَ النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ. وَلِأَنَّ قوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. وَبَيَانُ أَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ فَاعِلُ السَّيِّئَاتِ. وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْعِقَابَ. وَاَللَّهُ يُنْعِمُ عَلَيْهِ بِالْحَسَنَاتِ- عَمَلِهَا وَجَزَائِهَا- فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ حَسَنَةٍ فَهُوَ مِنْ اللَّهِ: فَالنِّعَمُ مِنْ اللَّهِ. سَوَاءٌ كَانَتْ ابْتِدَاءً أَوْ كَانَتْ جَزَاءً. وَإِذَا كَانَتْ جَزَاءً- وَهِيَ مِنْ اللَّهِ-: فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي كَانَ سَبَبَهَا: هُوَ أَيْضًا مِنْ اللَّهِ. أَنْعَمَ بِهِمَا اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ. وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ- كَمَا كَانَتْ السَّيِّئَاتُ مِنْ نَفْسِهِ- لَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ.